فضائل ليلة القدر وأجمل الأقوال

أجمل ما قيل في ليلة القدر

ليلة القدر، هذه الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن الكريم، تُمثل في الوجدان الإسلامي أوج العطاء الإلهي والرحمة الربانية. هي ليلة اختصها الله تعالى بمكانة رفيعة بين الليالي، فكانت خيرًا من ألف شهر، وسميت بهذا الاسم لعظيم قدرها ورفيع شأنها، ولما يُقدّره الله فيها من المقادير لعباده. امتزجت في وصفها روعة الإيمان، وعذوبة الكلمات، وخشوع الأرواح، فاستقرت في القلوب وتجلّت في ألسنة العلماء، والمفسرين، والشعراء، والعبّاد، بأجمل الأقوال والعبارات التي خلدها التاريخ.

المكانة الشرعية لليلة القدر

جاء ذكر ليلة القدر في القرآن الكريم بشكل مباشر في سورة تحمل اسمها:

{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ}

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}

{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}

{سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ}

[سورة القدر]

وقد عُرفت ليلة القدر بأنها الليلة التي تتنزل فيها البركات والرحمات، ويُغفر فيها لمن قامها إيمانًا واحتسابًا، وهي التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم:

«من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»

[رواه البخاري ومسلم]

أجمل ما قيل في فضائل ليلة القدر

1. الإمام الشافعي

قال الإمام الشافعي رحمه الله:

“فيها تُقدّر الأمور، ويُكتَب ما يكون من الأقدار في السنة المقبلة، وهي ليلة تنزل فيها الملائكة بالرحمة والمغفرة، فلا يُرد فيها دعاء، ولا تُخيب فيها رجاء.”

2. الإمام ابن كثير

قال في تفسيره:

“سُميت ليلة القدر لشرفها وعظم قدرها، أو لما يقع فيها من تقدير الأقدار، وهي ليلة ذات فضل عظيم، والعمل الصالح فيها خير من عمل ألف شهر.”

3. الحسن البصري

قال:

“كل أمر حكيم يُبرم في ليلة القدر، يُكتب فيها ما هو كائن في عامه من رزق وموت وحياة ومطر، حتى الحاج يُكتب في ليلة القدر من سيحج في ذلك العام.”

من أقوال السلف والعلماء في وصفها

• ابن الجوزي:

“ليلة اختارها الله من بين الليالي، فطهرها من كل شائبة، وجعلها مهبطًا لنور كلامه، وسلامًا للمؤمنين الساهرين بقلوبهم وأبدانهم في طاعته.”

• النووي:

“فيها من الخير ما لا يبلغه العبد في عمره كله، وهي مضمار للتنافس، وميدان للركض إلى مغفرة الله، فطوبى لمن نال فيها القبول.”

• القرطبي:

“إن الملائكة تنزل في هذه الليلة بالبركة والرحمة، يحملون كتب الأقدار التي قدرها الله للسنة القادمة، وكل ذلك بإذن الله وبأمره وحكمه.”

أجمل العبارات النثرية التي قيلت عن ليلة القدر

ليلة القدر ليست فقط لحظة زمنية تمر بين الساعات، بل هي مناسبة روحية تسمو فيها النفوس وتطهر القلوب. من أجمل ما قيل فيها:

“ليلة القدر… نفحة من نفحات الله، من أدركها فكأنما أدرك عمرًا جديدًا، من الحرص على الطاعة فيها كأنما أمسك بزمام عمره كله في لحظة واحدة.”

“هي ليلة يفيض فيها النور من السماء، وتُبعث فيها الحياة في الأرواح الميتة، ويُنزل الله فيها رحمته كما يُنزل المطر على الأرض القاحلة.”

“هي ساعة الصدق مع الله، ساعة يختبر الله فيها قلوب العباد، من قامها طاهرًا نقيًا كتب الله له نورًا لا يُطفأ، وفرحًا لا ينقطع.”

من الشعر العربي عن ليلة القدر

أفاض الشعراء في مدح ليلة القدر بوصفها فرصة نادرة تُعيد التوازن للروح وتصلح ما فسد في النفس، ومن أروع ما قيل:

قال الشاعر:

يا ليلة القدر المعظّمة الرؤى

فيك السلام وفيك ينزل مرسلُ

تنزيل رب العرش فيك مكرمة

والخير فيك مدى الليالي يُجزلُ

وقال آخر:

ليلةٌ طابتْ ففاح عبيرها

وسَمَتْ على الأزمانِ، طُهرًا تُكْرِمُ

نزلَتْ بها الآياتُ من ربٍ عظيم

والنفسُ في أسمى العباداتِ تَحْلُمُ

ليلة القدر في أقوال المتصوفة والزهاد

الزهاد وأهل التصوف نظروا إلى ليلة القدر كفرصة للاتصال الروحي بين العبد وربه، ومن أقوالهم المضيئة:

• الجنيد البغدادي:

“ليلة القدر ليست لمن صلى وقام فقط، بل لمن خلص قلبه لله وتجرد من ذاته، فعاش لله، وأحب لله، وبكى من أجل الله.”

• الشيخ عبد القادر الجيلاني:

“في ليلة القدر يُنزل الله أرزاق القلوب، فمن عمر ليله بالتلاوة عمر الله قلبه بنور لا يُطفأ، ومن سبّح فيها غفر الله له ما أسر وما أعلن.”

الدعاء في ليلة القدر

أجمع العلماء على أن من أفضل الأعمال في ليلة القدر الإكثار من الدعاء، وخاصةً بما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها:

«اللهم إنك عفوٌ كريم تُحب العفو فاعفُ عني»

[رواه الترمذي وصححه الألباني]

وكان ابن عباس رضي الله عنه يقول:

“ما من عبد دعا الله في ليلة القدر إلا استجاب له، إما عاجلًا أو ادّخره له، أو صرف عنه من البلاء ما هو أعظم.”

العبادة في ليلة القدر وأثرها في النفس

العبادة في ليلة القدر لا تقف عند حدود الصلاة والدعاء فحسب، بل تشمل كل عمل صالح خالص، من قراءة القرآن، وإطعام الطعام، وإصلاح ذات البين، وبر الوالدين. أثر هذه الليلة لا يقتصر على ساعاتها، بل ينعكس على السنة بأكملها، إذ تعيد فيها الروح ترتيب أولوياتها، ويعود القلب إلى فطرته النقية.

وقد قيل في ذلك:

“ليلة القدر ليلة البناء الروحي، فيها تتجلى حقيقة العبودية، ويظهر صدق الحب لله، وتبدأ حياة جديدة للقلوب الطاهرة.”

جدول يوضح الفرق بين ليلة القدر وبقية الليالي

الخاتمة: ليلة القدر في قلوب المؤمنين

تبقى ليلة القدر أيقونة عظيمة في وجدان الأمة الإسلامية، رمزًا للرجاء، والتوبة، والتطهر، والتجدد. هي ليلة لا تُشبهها أي ليلة، تُفتح فيها أبواب السماء، وتُكتب فيها الأقدار، ويُقبل فيها التائبون والمستغفرون والمخلصون. من قامها بقلبٍ سليم، وعينٍ دامعة، ولسانٍ ذاكر، نال حظًا من الرحمة والمغفرة والفضل لا يُضاهى.

المراجع

• ابن كثير، تفسير القرآن العظيم

• القرطبي، الجامع لأحكام القرآن